رواية مكتملة بقلم ميرا كريم
ورغم سوء الجو بالخارج إلا أنه أتى بوقت قياسي وقام واوصى لها بعدة عقاقير طبية تفيد حالتها وحين غادر الطبيب جلست ثريا بجانبها بملامح متهدلة حزينة تضع قطع القماش الباردة على جبهتها بمحاولة بائسة منها أن تزيح تلك الحرارة الناشبة بجسدها ولكن دون جدوى لترفع نظراتها المؤنبة له وتقول
الحرارة مش عايزة تنزل
كان يجلس هو منكس الرأس بجانب فراشها دون أي ردة فعل تذكر لتصرخ والدته من جديد
رفع عينه المرهقة التي يحتلها الحزن ولم يقوى على الحديث فقط توجه بخطواته نحو المرحاض الملحق بغرفتها وملئ حوض الاستحمام بالماء ثم عاد بخطواته وغمغم لوالدته
روحي يا أمي حضريلها لقمة علشان تاكل وسبيني معاها انا هتصرف
تناوبت نظراتها المتوجسة بين تلك المحمومة الملقاه بحالة يرثى لها وبينه واعترضت
زفر بقوة وقال وهو يفرك ذقنه بتوتر
أمي هي غلطت بلاش تدافعي عنها وتاخدي صفها
لتجيبه ثريا بدفاع وحماية كأي أم
برضو ده ميدكش الحق تمد ايدك عليها وتحبسها وحتى لو غلطانة نقتلها يعني!! ......أنت ابني اه لكن عمري ماهسمحلك تفتري عليها دي أمانة عادل وغالية و وصوني عليها انا لو سكت كنت بقول هي غلطت ومكنش ينفع تعدي اللي حصل بالساهل وكان لازم تهدى وتفكر بعقلك لكن أنت نسيت وصية أبوها وقسيت عليها
أمي أنت عارفة أن عمري ما كنت مفتري و إني ضدد المبدأ أصلا بدليل إني كنت بتحمل عجرفتها وتجرحاتها وبطول بالي عليها على أمل انها تتغير بس انا راجل جبت مراتي بعد نص الليل من القسم بعد سهرة هايلة في مخور يعني رقص وشرب وما خفي كان أعظم لأ وكمان بتستغفلني وكانت هتأذيك بالحبوب اللي بتخدرك بيها ... والله أعلم للمرة الكام اللي عملت فيها كده وبعد كل ده بتقوليلي افتريت عليها لأ انا مفترتش ولو ابوها نفسه مكاني كان هيعمل أكتر من كده
انا من ساعة ما ابوها وصاني عليها وانا حاسس إني شايل هم الدنيا كله فوق كتافي وانا تعبت ومش عايز حاجة غير إني ارتاح.
تنهدت ثريا ونهضت من جلستها تربت على ظهره بعدما فرت دمعاتها حصرتا عليهم ثم دون أضافت المزيد توجهت للمطبخ بينما هو رفع رأسه ينظر لموقع رقدتها بتنهيدات حزينة مثقلة تنعي حظ قلبه ثم دون إضاعة أي وقت كان بيده حبات العرق المتلألئة على جبينها
بردانة يا يا...من
هتبقي كويسة...
ظلت تهز رأسها بضعف تجهش پبكاء واهن إن دل على شيء دل على هشاشتها التي تتوارى دائما خلف رداء التمرد والقوة التي تدعيها كوب وجنتها بكف يده وتمتم بنبرة مهزوزة بعض الشيء تأثرا بهوانها وهو
نظرت له نظرة ضعيفة منكسرة
لأبعد حد يقسم انها المرة الأولى التي يراها بعينها فقد ألمت قلبه وجعلته يشعر ب أعاصير ټضرب دواخله من وطأتها فهو يعلم انه قسى عليها ولكن لن يغشم حاله هي تستحق وهو ليس نادم على ردة فعله بل مازال غاضب حد الچحيم من فعلتها ولكن سيجبر ذاته أن يضع كل هذا جانبا الآن إلى أن تتحسن حالتها دام تواصلهم البصري عدة ثوان قبل أن تغلق عيناها لم يتحرك هو بل ظل مستكين على وضعيته الغير مريحة بالمرة من أجلها و لمدة عدة دقائق وحين
شعر أن حرارتها قد انخفضت بعض الشيء
لازم تغيري هدومك
أومأت له بضعف وبعيون مسبلة بأرهاق جعلته يلعن وهو يتمنى لو يتبرأ من ذلك العاصي بين ويخبره أن يرأف بها ليزفر أنفاسه على دفعات متتالية كي يستعيد رباط جأشه فعلتها وبين قلقه وخوفه عليها وهي بتلك الحالة ليجد ذاته يزفر حانقا مرة آخرى وكأن تضيق به أنفاسه ثم نظر لأعلى وكأنه يناجي ربه أن يرأف بنكبة قلبه ويعينه عليها.
السابع عشر
لم أحبك يوما لأن أيامي تجري بشكل جيد أو لأن في حياتي فراغا بشكل أو بآخر. أحببتك بأكثر أيامي إحباطا أحببتك بمنتصف يأسي وفي إزدحام يومي ومن بين جميع أفكار عقلي..كنت أنت دائما حيلتي الوحيدة التي أتمسك بها لأنجو من هلاك أفكاري.
ودعته بنظرات تفيض بمكنون قلبها لعله يشعر بها ويشاركها إياها ولكنه كان ثابت بشكل حقا احبطها وجعلها تظن كونه متلبد المشاعر غافلة أنه يجاهد ذاته من أجلها
فكانت تسير بخطوات بطيئة وهي ساهمة تستعيد تلك اللحظات الرائعة التي كانت بها برفقته داخل رأسها لولآ صوت أبيها الذي أجفلها
كل ده تأخير يا بنتي
أنتبهت لحديثه ونظرت لموقع جلسته على ذلك المقعد الوثير بزوايا الردهة وردت بنبرة آسفة وهي تسير نحوه
اسفة يا بابي الوقت عدى بسرعة ومحستش بيه
تنهد فاضل وقال بحنو
هدومك مبلولة من المطر طبعا مش هتبطلي بقى العادة الغريبة دي أنت خلاص كبرتي
نفت برأسها بمشاكسة وجلست على أحد المقاعد بجواره قائلة
لأ أنا مش هكبر ابدا
قهقه فاضل وشاكسها
ازاي بقى ده انت بقيتي عروسة وبعدين افرضي اتجوزتي جوزك يقول ايه جوزناه عيله
رفعت ميرال منكبيها وأخبرته بنفس النبرة المشاكسة التي جعلت أبيها يشعر بالسعادة كونها استعادت بسمتها ومشاكستها من جديد
طب لعلمك بقى يا سي بابي أنا مش هتجوز غير راجل بجد يعرف يحتويني بكل حالاتي ويشاركني فيها كمان أصل انا مش عايزة راجل ينتقدني ويقلل من أي حاجة بعملها بالعكس عيزاه يبقى فخور بيا و بأتفه انجازاتي
لتتنهد تنهيدة حالمة وهي تتذكر ذلك المتلبد صاحب البندقيتان وتضيف
والاهم من كل ده يكون بيحبني
ربنا يصلح حالك يا بنتي و يكرمك بالزوج الصالح... عارفة يا ميرال أنا نفسي اشوفك مبسوطة وعندي أستعداد اعمل علشانك أي حاجة في الدنيا بس أشوف ضحكتك دي على طول
اتسعت بسمتها وقالت
ربنا يخليك ليا يا بابي وميحرمنيش منك
ده ايه الحب ده كله
قالتها دعاء متهكمة وهي تنضم لهم لتخبو بسمة ميرال وتقول ا
تصبح على خير يا بابي
احتدت نبرة دعاء وقالت متهكمة من تجاهلها لها في الآونة الأخيرة
إذا جاءت الملائكة فرت الشياطين ولا ايه يا ميرال...
حانت من ميرال بسمة ساخرة وأخبرتها وهي تتخطاها كي تصعد لغرفتها
لو تقصدي نفسك بالشياطين فعندك حق ...تصبحي على خير
نظرت دعاء لآثارها بغيظ وقالت بحدة لزوجها
عجبك كده ... خليك مدلعها ومقويها
هز فاضل رأسه بعدم رضا وأخبرها بدفاع قوي نابع من عاطفته الأبوية
دي بنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا يا دعاء ومعنديش أغلى منها علشان ادلعه
يوووه بقى... ما أنا كان نفسي اجبلك بيبي و اتحايلت عليك ألف مرة نروح للدكتور سوا نعرف المشكلة فين وانت اللي مش راضي
أغمض فاضل عينه بإنفعال من إصرارها المقيت التي لا تكف عنه وقال بحدة قبل أن ينسحب هو أيضا ويصعد لغرفته
احنا اتكلمنا كتير في الموضوع واخدنا في قرار نهائي واظن ان ده كان واحد من شروطي قبل الجواز وانت وافقتي عليه ياريت بقى تقفلي السيرة دي ومتتكلميش فيها تاني
دبت الأرض بقدميها وزفرت بقوة وهي تنظر لظهره وهو يبتعد عنها فرغم أنها تملك سلطة عليه و تتمكن بسهولة من إقناعه بأي شيء إلا أن ذلك الأمر فشلت به فشل ذريع فكلما تطرقت لهذا الأمر يرفض رفض قاطع دون سبب مقنع بالنسبة لها و رغم عطائه السخي معها إلا أن هيأ لها شيطانها أن تطمع في المزيد لتهمس بعيون تلمع بوميض الخبث
مش هيأس يا فاضل ومش هخلي بنتك تكوش على كل ده لوحدها
أما عن صاحب القلب الثائر التي أنهكته تلك المتمردة فقد كان يسير بها إلى تلك الاريكة القريبة كي يضعها عليها بشكل مؤقت لحين استبدال ملابسها تحسبا لعدم بل الفراش وقبل أن يضعها قال بأهتمام
هنادي ماما تساعدك
نفت برأسها التي بوهن وبعيون مغلقة وهي تتشبث به أكثر دليل على رفضها مما جعله
يتنهد بعمق ويقول وهو يجلسها برفق
أنا مش هعرف اتصرف
نفت هي مرة أخرى وكادت تجهش بالبكاء وتزوم بطريقة جعلته يشعر بالضيق من تيبس رأسها فما كان منه غير أن ينسل من بين يدها ويذهب كي يحضر ملابس جافة لها وقبل أن يباشر بالأمر أغلق إضاءة الغرفة كي لا يشعرها بالحرج فيما بعد ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه مطلقا فنعم العتمة كانت تخيم على الغرفة وتحجب رؤيته ولكن ماذا عن شعوره
هغير هدومي علشان اتبلت وارجعلك
افلتت يده وهزت رأسها بحركة ضعيفة واغلقت عيناها وغفت من شدة وهنها بينما هو تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير وغادر إلى غرفته كي يبدل ثيابه وحين عاد لغرفتها من جديد و جد والدته تجلس بجوارها وهي تتمتم بالدعاء لها بصدق نابع من صميم قلبها تحمحم هو وأخبرها بهدوء